Time – ترجمة بلدي نيوز
دعت ألمانيا مجدداً إلى فرض منطقة حظر جوي في شمال سورية، وهي فكرة لو طبقت مسبقاً من المجتمع الدولي لساعدت إلى حد كبير جماعات المعارضة المحاصرين في تلك المناطق بالإضافة إلى حماية المدنيين السوريين من القصف، ولكن الأمر الآن أكثر تعقيداً وخطورة، ومن الأرجح أن لا ينجح، بسبب الحملة الجوية الروسية التي تدعم بشار الأسد.
الاقتراح الألماني يأتي في خضم جهود دولية لإنجاح هدنة لإيقاف إطلاق النار حتى لو كانت مؤقتة ومتملقة، كما سمحت الحكومة السورية بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق الرئيسية المحاصرة في البلاد، وهي جزء من محاولة وصفها مسؤول روسي "كخطوة أولى نحو تنفيذ اتفاق تم التوصل إليه بين دول العالم في ميونيخ الاسبوع الماضي".
من جهته حاول مبعوث الأمم المتحدة "ستيفان دي ميستورا" تأمين إيصال المساعدات وتحسين فرص استئناف محادثات السلام قبل نهاية شهر شباط، ولكن تلك الجهود خيم عليها الفشل بشكل رئيسي بسبب هجمات قوات نظام الأسد على مدينة حلب، حيث تشتبك مختلف القوى المدعومة من قبل المنافسين الإقليميين والدوليين على قطاع بالغ الأهمية يربط أكبر مدينة سورية على الحدود مع تركيا.
وقد أدى العنف الدائر في حلب، إلى إرسال عشرات الآلاف من السوريين الفارين باتجاه الحدود، كما تسبب بانهيار المحادثات الغير مباشرة بين الحكومة السورية والمعارضة في أوائل هذا الشهر.
ويبدو أن الدعوة الألمانية قد أتت لإحياء مقترح لإنشاء منطقة حظر جوي في شمال سوريا، والذي طرح مراراً وتكراراً من قبل تركيا وغيرها من معارضي الأسد خلال الحرب المستمرة منذ 5 سنوات، فمن شأن فرض منطقة حظر جوي أن يخلق ملاذاً آمنا لعشرات الآلاف من النازحين، كما سيساعد على وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، لكن واشنطن رفضت لوقت طويل هذه الفكرة، خشية أن تؤدي إلى زج قوات الولايات المتحدة في خضم الحرب السورية.
وأعربت المستشارة الالمانية "أنجيلا ميركل" يوم الثلاثاء عن تأييدها للفكرة، وتكرر الأمر في البرلمان الألماني يوم الاربعاء، وقالت أن ذلك يمكن أن يتم عن طريق الاتفاق مع الأسد وأنصاره وقوات التحالف التي تقاتل تنظيم الدولة وهو اقتراح يقول عنه المحللون أنه غير واقعي الآن وأنه محاولة لاسترضاء تركيا.
وفي مؤتمر صحفي، قالت ميركل أن مثل هذا الاتفاق سيكون "إشارة إلى حسن النية"، وقد لمحت إلى أنها تشير إلى اتفاق غير رسمي لوقف الهجمات الجوية، وأن هذا يمكن أن يؤدي إلى وقف شامل للأعمال العدائية المتفق عليها في ميونيخ، ولكن فرض منطقة حظر جوي بات أمراً أكثر صعوبة خصوصاً منذ بدء موسكو لحملتها الجوية على سورية في أيلول الماضي، وقد تجاهل نائب وزير الخارجية الروسي "غينادي غاتيلوف" اقتراح ميركل، قائلاً أنه يتطلب موافقة دمشق والأمم المتحدة في مجلس الأمن.
ورداً على سؤال للصحفيين حول مبادرة ميركل قاطعهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قائلاً: "إنها ليست مبادرة ميركل، بل مبادرة تركيا".
وقال كريستيان براكيل، الخبير في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية: "إن فكرة ميركل يمكن نسبها إلى تركيا، التي ترى أنها قد خسرت حصصها في الحرب السورية".
أولاف بوينكي أستاذ العلوم السياسية في معهد "ميركس" والرئيس السابق لمكتب برلين للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال: "قد يكون اقتراح ميركل موجه للشعب الألماني حيث أنها تتعرض لضغوط متزايدة لإبطاء تدفق طالبي اللجوء إلى ألمانيا"، وأضاف بوينكي: "أعتقد أن الاقتراح لم ينبثق عن تفكير عميق، ربما هو مجرد تمني، لأنه إذا نظرنا إلى التفاصيل الفنية بمنطقة حظر الطيران في ليبيا، لرأينا أنها معقدة جداً".
فقد ساعدت حملة القصف التي قادتها الولايات المتحدة ضد الديكتاتور الليبي "معمر القذافي" في عام 2011، ولكنها جاءت بناءً على قرار للأمم المتحدة في مجلس الأمن، واتفاق بين 28 عضو من حلف الناتو، ومثل هذا السيناريو يكاد يكون من المستحيل أن نتخيل حصوله في سوريا، فموسكو جعلت من الواضح أنها لن توقع على مهمة كهذه، ومارست حق النقض لمنع أي جهود في مجلس الأمن لفرض عقوبات على دمشق، أقرب حليف لها في الشرق الأوسط.
ومن جهته، انتقد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الولايات المتحدة لعدم دعمها لمقترحات بلاده، مضيفاً أن فرض منطقة حظر جوي قد يمنع الحملة الجوية الروسية في المنطقة وينقذ حياة الآلاف من المدنيين، حيث قال: "أوه، أمريكا! لم تقولي نعم لمنطقة الحظر الجوي والآن الطائرات الروسية تقصف بشراسة في سورية، والآلاف بل عشرات الآلاف من الضحايا يموتون، ألم نكن نحن قوات التحالف؟ ألم يكن علينا أن نعمل معاً؟".
كلمات الرئيس التركي تعكس نفس الاستياء الذي يشعر به الثوار السوريين، الذين يعتقدون أن فرض منطقة حظر جوي قد تنتزع من الأسد أقوى ما يملك ضد الشعب السوري وهو القصف الجوي.
كريستوفر هارمر، محلل في البحرية في معهد واشنطن لدراسة الحرب، يقول: "عدم فرض منطقة حظر جوي في شمال سورية كان أحد أكبر أخطاء الغرب في سورية"، ويضيف: "لو كان الغرب قد تدخل في وقت مبكر وأفقد بشار الأسد القدرة على قصف شعبه، لكانت المعارضة المعتدلة قد سيطرت على الوضع ولم تكن المعارضة الراديكالية لتكتسب كل هذا النفوذ، ولكن بعد خمس سنوات من الحرب ومع الحملة الجوية الروسية يبدو أن حظر الطيران أمراً أكثر تعقيداً وتكلفة".
هذا وقد اتفقت الولايات المتحدة وروسيا وغيرها من القوى العالمية في 12 شباط على اتفاق يدعو إلى وقف الأعمال العدائية في غضون أسبوع، وتقديم المساعدات العاجلة إلى المناطق المحاصرة من سوريا والعودة إلى محادثات السلام في جنيف.
وقد اجتمع الفريق العامل المعني بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، كما سيلتقي مرة أخرى يوم الخميس للوقوف على الوضع وبحث كيفية الوصول إلى المناطق الواقعة تحت الحصار، وفقاً لمكتب دي مستورا.
ولكن الآمال لإيقاف مؤقت لإطلاق النار المقرر أن يبدأ يوم الخميس وفقا لاتفاق ميونيخ جميعها تلاشت، حيث لقي ما لا يقل عن 25 شخصاً مصرعهم في غارة جوية روسية على مستشفى مدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود في شمال سوريا.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في نيويورك: "إن عملية المساعدات التي تساهم فيها الأمم المتحدة تمضي قدماً، وهو تطور وخطوة أولى، فلقد كان لدينا الكثير من المؤتمرات والخطب والالتزامات، وأعتقد أن الشعب السوري يريد أن يرى أدلة دامغة على أن من وراء المؤتمرات هدف سيتحقق".
وبعد تأخير، توجهت أكثر من 100 شاحنة إلى المناطق المحاصرة، ووصلت قوافل الغذاء والدواء وغيرها من المساعدات إلى المدن التي يسيطر عليها الثوار مثل : مضايا والزبداني، شمال غربي العاصمة، في حين توجهت قافلة من 35 شاحنة من المساعدات إلى معضمية الشام جنوب غرب دمشق، ووفقا للاتفاقية، سيتم تسليم المساعدات أيضاً للمناطق الواقعة تحت حصار الثوار في شمال محافظة إدلب.
وتعتبر هذه المساعدات القوافل الثالثة التي تصل للمناطق المحاصرة منذ سنتين في جهود للأمم المتحدة الشهر الماضي، وتشير التقديرات إلى أن 18 منطقة تقع تحت الحصار، مما يؤثر على ما يقرب من نصف مليون سوري.